انتهت الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية كما كان متوقعاً لها: تحديد التكتلات وتوجهاتها فقط لا غير، والتأكيد للمجتمع الدولي على احترام المهل الدستورية. ففي غياب التوافق على مرشح ينال أقله أصوات الغالبية، بدا واضحاً أن أول جلسة ستكون مجرد جلسة صورية لا أكثر. لذلك لم تسم كتل التيار الوطني الحر والطاشناق وحركة أمل وحزب الله والمستقلين الذين يدورون في فلكهم أي مرشح بل اكتفوا بوضع ورقة بيضاء، في حين رشحّ الحزب الاشتراكي والقوات وبعض المستقلين النائب ميشال معوض، مقابل تصويت نواب «التغيير» للمرشح سليم إده.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن الحزب الاشتراكي كان أكثر المتحمسين لتبني اسم النائب ميشال معوض فيما لم يحسم حزب الكتائب أمره حتى صباح أمس. أما رئيس حزب القوات اللبنانية، فرأى في التوافق مع البقية على اعتماد اسم معوض ربحاً صافياً: أولاً عبر «تسليف» معوض انتخابه في الدورة الأولى رغم معرفته المسبقة أنه لن يمرّ وبالتالي يمكن له استرداد الجميل منه في الدورات المقبلة. ثانياً إرسال رسالة إلى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية عبر ترشيح منافسه في بلدته. وأكثر ما يعبّر عن طريقة اختياره، هو تصريح النائب جورج عدوان الذي قال إنه «بعد الاتصالات تبيّن أن ميشال معوض سيادي وإصلاحي» بما يوحي أنه جرى اكتشافه حديثاً! وذلك يحيل إلى السبب الأهم في ذلك كله، وفق ما تلفت مصادر مطلعة، وهو أن معوض مرشح السفير السعودي وليد البخاري، لذلك سارت فيه الكتل التي يمون عليها ونفذّت من دون اعتراض بعد جولته عليها. فباتت تصفه القوات وفقاً لنائبها ملحم رياشي بـ«ابن شهيد اتفاق الطائف». علماً أن معوض هو رجل الأميركيين الأول في لبنان ووكيل الـUSAID التي كلفته غداة انفجار المرفأ بالتكفل بتوزيع المساعدات على الجمعيات التي يراها مناسبة. وهو أيضاً من أبرز المقربين من المصرفي أنطون الصحناوي. وعليه، يشكل تقاطعاً لكل الجهات التي تمثلها هذه القوى في لبنان. وفيما ثمة من يشير إلى أن رمي اسمه أمس كان لإحراقه، يؤكد المقربون منه أنها بداية العمل على لوبي أوسع لتأمين عدد أكبر من الأصوات.
من جهتهم، وغداة «حشر» بري لنواب التغيير بالتوقيت قبل أن ينجزوا مناقشاتهم مع كل الكتل، اختاروا اسماً مطروحاً من بين الأسماء التي سلموها للكتل إنما يصلح لـ«الحرق» هو سليم إده. فـ«التغييريون» كانوا قد زاروا إده الذي أبلغهم رسمياً بأنه لا يرغب بالترشح وتمنى عليهم عدم وضع اسمه، لكن النائب ملحم خلف عممه على زملائه لتسميته خلال الجلسة. وإده محسوب على الفرنسيين وسبق للسفيرة الفرنسية آن غريو أن ذكرت اسمه عند زيارتها للبطريرك بشارة الراعي. وسبق أيضاً لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان أن تفاوض معه لتوزيره في حكومة تمام سلام فرفض، ليرفض مجدداً عرض رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بتوزيره مرتين عام 2019. وتشير المصادر إلى أن المرشحين الجديين اللذين أُبقي اسماهما خارج التداول في هذه الجلسة بطلب منهما هما النائب نعمت افرام الموجود في الولايات المتحدة والوزير السابق زياد بارود، إلى حين محاولة كل منهما تأمين توافق على اسمه والتفاوض مع الأحزاب.
بري مرتاح لمجريات أولى جلسات انتخاب رئيس للجمهورية
تقول مصادر تابعت وقائع الجلسة انّ الجميع سيبني على نتائج هذه الجلسة مُقتضاه قبل الذهاب الى الجلسة او الجلسات اللاحقة التي وعد رئيس مجلس النواب نبيه بري بالدعوة فوراً اليها اذا حصل توافق، واذا لم يحصل هذا التوافق «يكون لكل حادث حديث» كما قال.
على انّ بعض متتبعي الجلسة رأوا انها بانعقادها أولاً، وبما شهدته ثانياً دلّت الى وجود حيوية وارادة جادّة عند الجميع لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري بعيداً من اي تأخير وتجنباً لأي فراغ في سدة رئاسة الجمهورية في الاول من تشرين الثاني المقبل.
كذلك دلّ ما حصل في الجلسة الى ان الرئيس العتيد لا يمكن ان يكون إلا توافقياً، وان ايّاً من الفريقين لا يمكنه ايصال رئيس من صفوفه من دون التوافق مع الآخرين، ما يعني ان الايام المقبلة ستشهد أوسع مشاورات واتصالات في كل الاتجاهات لإنتاج الرئيس التوافقي تمهيداً لانتخابه ضمن المهلة الدستورية، علما ان الاوراق البيضاء اراد البعض منها إبقاء مرشحهم او مرشحيهم طي الكتمان الى الوقت المناسب لتجنيبهم الاحتراق السياسي.
وبحسب هؤلاء المتابعين انفسهم إنّ الجلسة أثبتت تَحسّس القوى السياسية على تباين مواقفها لخطورة حصول الفراغ الرئاسي، ان حصل هذه المرة، على مستقبل لبنان في ظل الانهيار الشامل الذي يعيشه على كل المستويات، وهو يستدعي اقامة السلطة الجديدة تأسيساً على نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة التي لم تسيّل نتائجها بعد بإقامة السلطة الجديدة بتأليف حكومة جديدة، ومن ثمّ بانتخاب الرئيس الجديد على طريق استكمال عقد المؤسسات الدستورية وانطلاقها الى تحمّل المسؤولية ازاء واقع البلاد ومستقبلها.
ونقل زوار عين التينة لـ»الجمهورية» عن الرئيس نبيه بري ارتياحه الى مجريات أولى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، مُعرباً عن أمله في إحراز تقدم نحو التوافق قريبا على الرئيس المقبل حتى تتسنى الدعوة إلى جلسة أخرى.
تشتت المعارضة يحرمها من كسب أكثرية الأصوات
في الشكل؛ يمكن الحديث عن تضعضع قوى المعارضة، مما أدى لانقسام أصواتها مقابل توحد «حزب الله» وحلفائه خلف الورقة البيضاء، وإن كان في الحالتين لم ينجح أي منهما في فرض المرشح الرئاسي الذي يفضله. الخيار الموحد لـ«الثنائي الشيعي» والنواب المقربين منه كما نواب تكتل «لبنان القوي» لا يعني أن هذا الفريق يمتلك هو الآخر رؤية واحدة للتعامل مع هذا الاستحقاق؛ وإلا لكانوا تفاهموا على شخصية واحدة سعوا لإيصالها ولو في دورة ثانية لو بقي النصاب مؤمناً. ولا يزال الانقسام هنا أيضاً سيد الموقف بين «الثنائي الشيعي» الذي يفضل انتخاب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وبين باسيل الذي يرفض هذا الخيار أقله في المرحلة الراهنة.
وإذا كان خيار «الورقة البيضاء» جنب فريق «حزب الله» وحلفائه أي مواجهة داخلية بين مكوناته، فإن قرار قوى المعارضة التصويت كل في اتجاه ترك ندوباً في العلاقة بين مكوناتها. واتهمت النائبة عن قوى «التغيير» بولا يعقوبيان باقي قوى المعارضة بـ«الانقلاب على التفاهم الذي كنا نعمل عليه»، متسائلة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هل هناك شخصية سيادية أكثر من صلاح حنين؟ لماذا لا يريدون أن يذهبوا إلى حل معقول مقبول وعاقل؟».